أسطورة الغريب

يمر عامٌ و تراهم  هناك الجالسون  والواقفون بجانب قبره يؤنسونه و يؤنسهم, و كأن لم يمر عامٌ كاملٌ , بل كأنه لم يمت من الأصل. هل صحيح ما يردده الجميع بأن الموت ينتقي الأفضل؟  لا أعلم  إن كان للموت قدرة علي الإختيارو إن كان موته يثبت تلك النظرية حقاً. هو و مِن قبله الكثيرين اللذين تركوا أثراً طيباً و ندوباً في القلب ستبقي إلي الأبد, و حتي تحترق النجوم و حتي تفني العوالم.
" ماذا سيقولون عني حين أموت؟ د. رفعت إسماعيل , راهب العلم الذي لم يتزوج من أجل دراسة أمراض الدم. له أسفار عديدة و صداقات كثيرة  في الوسط العلمي و له تأملات خاصة في الميتافيزيقيا. هذا هو كل شيء.  
 و لكن أين حقيقتي؟ أين معاناتي العاطفية؟ مشاكلي مع التدخين؟ مخاوفي و إحباطاتي؟ لحظات نصري و لحظات هزيمتي؟ كل هذا لن يعرفه أحد سوي من دنا مني إالي مسافة سنتيمترات و سمع سعالي ليلاً , و أصغي إلي صوت اصطكاك أسناني برداًو خاض معي مغامرة إختيار ربطة عنق قبل أن أقابل خطيبتي" 

 الطبيب العجوز الثرثار الذي يدخن السجائر كمدخنة  بيت إنجليزي و لديه بذلة كحلية تجعله فاتناً.  الطبيب الذي رأي ما رأي من أهوال  و مر منها بمعجزة و قرص نيتروجليسرين ليهدأ قلبه الضعيف المضطرب. هذا الطبيب هو رفيقي من الطفولة حتي اليوم.
كان من الغريباً أن يكون طبيب  عجوز صديق لطفلة صغيرة  خطت للتو عالم القراءة و كان أول ما رأت حولها هو أساطيره و حكاياه. طفلة علي أبواب عالم  عالم الرعب غير آبهٍ لنصائح أخيها الذي يؤكد لها إنها لن تفهم و ما ستفهمه سيسلبها النوم, و قد كان محقاً إلي حد كبير. و لكنها أكملت في تصميم. تقرأ و لا تفهم فتعيد القراءة, فتفهم فلا تستطيع النوم.  و تتأكد من إن قدميها الصغيرتان في حمي غطاء السرير, الذي تأكدت أيضاً أن لا شيء يختبي تحته. 
تكبر الفتاة الصغيرة و يكبر العجوز معها فتصير مراهقة و يصير كهلاً, و  تتسع دائرة الأصدقاء ليدخلها عبير و شريف  و د. علاء عبد العظيم  و  برنادت.
تقوم بذات الحيل التي قام بها إخوتها قبلها و هي  أن تخبيء الكتاب الصغير بين دفتي كتاب المدرسة , و هكذا عندما تتسلل الأم إلي الغرفة للتأكد من إنهم يدرسون تري كل منهم ممسكاً بكتابه المدرسي و منغمس به فيطمئن قلبها. و لكن سرعان ما تنكشف الحيلة,  فيصبح الحرمان من قراءة كتبه وشيكاً, و يتم الهروب إلي حيلة أخري و منها إلي أخري و هكذا . أما إجازة نصف العام و الإجازة الصيفية فكانت  كلياً له, بين اللعب أسطورة, و بعد الغذاء و حتي السقوط في النعاس مساءاً. 
أسلوب كتابة غاية في التشويق, خفة ظل لا تجد لها مثيلاً, سخرية  من كل شيء حتي نفسه,قاريء نهم و كاتب مبدع و مثقف. 
أسطورته 
إنه كان غريباً, بسيطاً و يشبهنا. 


"وداعاً أيها الغريب 
كانت إقامتك قصيرة لكنها كانت رائعة,
عسي أن تجد جنتك التي فتشت عنها كثيراً."

Comments